بقلم : نـــــــــزار حيدر.
هل يكفي تسنُّم موقع المسؤوليّة بطريقةٍ شرعيَّةٍ للمكوثِ فيه؟! أَو لنغضَّ الطّرف عن كلّ ما يفعل المسؤول ويقول؟! فلا نعترض ولا نُراقب ولا نُحاسب وربَّما ولا ندعو لإزاحتهِ أَو حتّى إقالتهِ عنهُ؟!.
أَبداً؛ فلقد أقالَ الامام أَميرُ المؤمنين (ع) عدداً من عُمّالهِ ومن القُضاة الذين عيَّنهم بنفسهِ في الأَمصار! فلم تمنعهُ شرعيَّة وصولهم الى موقع المسؤوليَّة من إِقالتهِم؟!.
فماذا يعني هذا؟!.
في البدء يجب انّ ننتبهَ الى نوعَين من الشّرعية؛ الأولى هي شرعيّة الوصول الى السُّلطة، أَيّة سُلطةٍ، والثّانية هي شرعيَّة الاستمرار فيها، وبينهُما إِختلافٌ كبيرٌ في المعايير تحديداً.
فالشّرعية الأولى تتحقَّق بالقّانون الذي يُنضِّم السُّلطة، وفِي لحظة الانتخابات مثلاً او التّعيين أَو ما الى ذلك، حسب القانون، امّا الشّرعية الثّانية فتتحقّق مع الزَّمن بالانجازِ والانجازِ فقط وفقط، ولذلك فهي لا علاقةَ لها بالشّرعية الاولى أَبداً.
ولذلك فانّ الذين يُحاججون وقد يغضبونَ لأَيّ نقدٍ أَو مساءلةٍ أَو مُراقبةٍ لأيِّ مسؤولٍ في السُّلطة، وخاصّةً اذا كان قد تسنَّم موقعهُ من خلال صندوق الاقتراع، بأَنّهُ شرعيّاً وصل الى موقعهِ عن طريق الانتخابات! فهو يُحاجِجُ بشرعيّة تسنُّمِهِ الموقع وأَنت تُحاججهُ بشرعيّة إِستمرارهُ فيه! ولذلك فانّ أصل النّقاش والجدال خطأٌ ولهذا السّبب لا يصِلُ الى نتيجةٍ صحيحةٍ!.
يلزمنا ان نفرِّق بين نوعَين من الشّرعية، ولا يجوز الخلط بينهُما أَبداً! والحديث اليوم ليس عن الشّرعية الأولى [الأَوَّليّة] وإِنّما عن الشّرعية الثّانية [الاستصحابيّة] إِن صحّ التّعبير!.
إِنّ النّقد والرّقابة والمُساءلة ورُبما الدَّعوة لإزاحةِ المسؤول، انّ كلَّ ذلك ليس لأنَّنا نطعن بشرعيّة وصولهِ الى السُّلطة أَبداً، وانّما لأنّنا نطعن بشرعيّة إِستمرارهِ فيها! وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الأَمرَين، لا ينبغي أَبداً الخلط بينهُما فتضيعُ المعايير!.
لا نطعنُ بالشّرعيةِ الأولى بغضّ النَّظر عن طبيعة القانون بهذا الخُصوص، ونطعن بشرعيَّتهِ الثّانية لعدمِ قناعتِنا بأدائهِ.
لِنضربَ مثلاً إِجتماعيّاً بسيطاً لتوضيح الفكرة؛
فالابنُ [الشّرعي] يكسب شرعيتهُ من زواجِ الأبويَن، وهذه لا تحتاج الى أَكثر من عقد زواجٍ شرعيٍّ حسب الشّروط المعروفة! أَما شرعيتهُ في المجتمع، فتعتمد على سلوكهِ وعلاقاتهِ وطريقة تعاملهِ مع النّاسِ وأخلاقه وغير ذلك، ولا علاقة ذلك بشرعيّة المولد!.
فهل يجوزُ مثلاً ان لا نأخذَ على يد المجرمِ في المجتمعِ لانّهُ [شرعيٌّ] وطاهر المولد؟!.
هل يجوزُ تركهُ اذا سرقَ أَو قتلَ أَو اعتدى على أعراضِ النّاسِ وحقوقهِم بذريعة طهارةِ المَولد؟! أَو كونهُ من عائلةٍ محترمةٍ أَو عشيرةٍ وقورةٍ أَو أَنَّهُ ينتمي الى تاريخٍ عريقٍ أَو ما أشبه؟!.
إِنّنا عندما ندعو الى معاقبةِ المجرم في المجتمع لا يعني ذلك بأَنّنا نطعن بشرعيّة مولدهِ أَبداً وإِنّما نطعن بسلوكهِ!.
وهكذا هو الحالُ بالنّسبةِ الى المسؤول وكلّ من يتصدّى للشَّأن العام، فلا ينبغي أَن نخلط بين الشَّرعيَّتَين، فاذا ما تعرَّض المسؤولُ للنّقد والمُحاسبة والمُساءلة أَو تمَّ فضحهُ وتعريتهُ والكشف عن ملفّات الفساد المتورِّط فيها ودورهُ في الفَشَلِ فهذا لا يعني أَنّنا نطعن بشرعيّة وصولهِ الى هذا الموقع من المسؤولّية أَو ذاك! أَو أَنّنا نطعن بشرعيّة [مولدهِ] أَو إِنتمائهِ العشائِري مثلاً أَو نطعنُ بتاريخ الأُسرة ودورها في تاريخ الْعِراقِ الحديث! أَبداً وإِنّما نطعن بسلوكهِ وإنجازهِ وعملهِ! نطعنُ باستغلالهِ السيّء للسّلطة والتّعامل معها كإِرثٍ أَو بُستانٍ لقُريشٍ ما شاء أَخذَ مِنْهُ وما شاء تركهُ! على حدِّ قول الوالي الأَموي وهو يصفُ الْعِراق!.
ينبغي انّ نبتعدَ عن هذهِ الحساسيّة المُفرطة التي تلجأ اليها أَبواق [القائد الضَّرورة] و [ذيول العجْلِ] كلَّما وُجِّهَ له نقدٌ أَو حوسِبَ على شَيْءٍ! وذلك لحمايتهِ من المساءلةِ والحيلولةِ دون التّقليل من رمزيَّتهِ مثلاً!.
مُشكلتُنا أَنّنا ندمج شرعيَّتَين بواحدةٍ! فنعتبر أَنّ مَن يحصل على شرعيَّة تسنُّم السُّلطة مؤهَّلٌ بشَكلٍ طبيعيٍّ للاستمرار بها! وأَنَّهُ تحميه من النّقد والمُساءلة أَبداً، فالوصول الى السّلطة يختلف جذريّاً عن الاستمرارِ بها، سواء في الشّرعية أَو في المعايير.
وبسبب المُحاصصة المقيتة نُلاحظ انّ من يتسنَّم موقعاً لا يُمكن إزاحته عنه الّا بالمُحاصصة مرّةً أُخرى أَو بالصّفقات والمؤامرات، وكلّ ذلك سببهُ غَياب المعايير الحقيقيّة وخلط الشَّرعيات بكلِّ أَشكالِها وأَلوانِها.
ومن أَجل إِعادة الاعتبار للمعايير الحقيقيّة للحالَتَين، الوصول الى السُّلطة والاستمرار فِيهَا يجري الحديث الآن عن تغيير أُسُسُ شرعيَّة السُّلطة، ولأَنّها تعتمد الدّيمقراطية التي أداتها صندوق الاقتراع، ولذلك ينبغي تغيير قانون الانتخابات لاحياء قاعدة [صوتٌ واحِدٌ لمواطنٍ واحدٍ] وتقسيم الْعِراقِ الى عددٍ من الدّوائر الانتخابيّة تُساوي عدد مقاعد البرلمان!.
إِنّ تغيير معايير شرعية الوصول الى السُّلطة يُساهمُ في تغيير معايير شرعيَّة الاستمرار بها.
٢٢ كانون الثاني ٢٠١٧