✍️ مصطفى أحمد علي الخفاجي
"نجحنا أن تتحدث معي دون أن نسيء لك"!!!
هكذا خاطب محافظ البصرة المواطن الذي سأله في الكورنيش سؤالًا بسيطًا.
كلمة واحدة كانت كافية لتكشف أزمة أعمق من مجرد انفعال عابر لمسؤول تنفيذي.
البعض تفاجأ، وآخرون رأوها تكبّرًا.
لكن الحقيقة؟
هذا ليس تكبّرًا طارئًا
بل نتيجة ثقافة ترسّخت منذ سنوات…
ثقافة تقول المسؤول هو صاحب النعمة والمواطن هو صاحب الرجاء والتوسل
منذ أن بدأ المواطن العراقي يركض خلف السياسي ويقدّمه على الأكف وينحني أمامه ويهديه ألقابًا تليق بالأنبياء والمسؤول بدأ يرى نفسه أعلى من الناس وأكبر من المساءلة.
منذ أن أصبحت الوظيفة منّة والمشروع فضل منه
والتعيين والتوظيف تفضُّلًا لا استحقاقًا للمواطن
بدأ المسؤول يرى أن مجرد سماع صوت المواطن هو تضحية منه تستحق الثناء!
المواطن صنع الإله السياسي عندما قدّم السياسي الفاسد كقائد رباني؟
عندما فتح بيته للمرشح والمسؤول الفاسد من اجل تقرب اليه وتملقا اليه
المواطن هو من زرع هذه الثقافة وهو من يحصدها اليوم.
عندما تنازل عن حقه في النقد واستبدل العقد الاجتماعي بعقد الولاء والخضوع.
نحن اليوم لا نعيش في عقد اجتماعي بل في عقد إذعان وركوع
في الفكر السياسي بالعموم الدولة تقوم على
عقد اجتماعي بين المواطن والسلطة:
نحن المواطنون نخولك المسؤول أن تدير شؤوننا وندفع لك راتبًا من ضرائبنا،
وأنت تحاسب إن أخللت وتعزل إن فشلت.
لكن هذا لم يحدث عندنا .
عندنا الأمر مختلف
المسؤول هو رب العمل
ونحن ضيوف في بلده
لا تلوموا العيداني بل راجعوا أنفسكم:
حين قال نجحت أن تتحدث معي دون إساءة
هو لم يبتكر خطابًا جديدًا بل استخدم اللغة
التي فهمها منّا وزرعناها ورسخناها بسنوات
لغة الانحناء، التذلل العفو والتسليم.
هو يعتقد مثل كثيرين غيره أن حرية التعبير
فضل من النظام لا حقٌّ أصيل للناس.
هو يؤمن أن جلوسه في منصبه نعمة منه
لا وظيفة براتب يتقاضاه من أموال الشعب.
الكارثة ليست في الكلمة…
بل في القبول بها
الشارع الذي لم يرفض هذه اللهجة،
والنخب التي لم تقف عندها،
والمنابر التي اعتبرتها زلّة لسان…
كل هؤلاء يشتركون في إنتاج خطاب السلطة المتعالية،
ويقفون ضد نشوء ثقافة سياسية صحّية تُعيد العلاقة إلى نصابها.
لا تصدمكم كلمة العيداني.
اصدموا أنفسكم بأنكم أنشأتم مسؤولًا
يرى نفسه فوق الدستور.
لا تنتظروا خطابًا شعبيًا من نخبٍ تُعامَل كآلهة.
ابدأوا بتغيير ثقافة الخوف والخضوع،
وابنوا ثقافة المساءلة والحق.
حينها فقط سيعرف المسؤول أن المواطن
له الحق بالاستجواب والمساءلة
ودون ان يُساء اليه بل تحفظ كرامته
لأنه ليس تابعًا للمسؤول
بل المواطن هو مصدر السلطة.