الإعلام الغربيّ أمام الحقيقة في تشييع (شهيد الخدمة )
محمّد صادق الهاشميّ
---------------------
في اليوم الثاني لحادث رحيل شهيد الخدمة رئيس الجمهورية الاسلامية المرحوم (رئيسي) تابعنا ما يقوله الإعلام الغربيّ، و الواقعون تحت تأثيره عن إيران، وكان هذا الإعلام يركِّزُ على أنّ إيران تعاني من خطرٍ جسيمٍ ، وهو أنّها فقدت أحد عناصر قوّتها التي بها انتصر الإمام الخمينيّ ، وهذا العنصر برأيهم هو مغادرة الجماهير المؤيّدة للدولة والحكومة والقيادة في الميدان أي أن الثورة فقدت شعبيتها ، وقالوا :أنّ إيران ستعاني الاختلال الدستوريّ بفقدها قادتها ، والذي أودّ أنْ أذكره هنا هو ما يلي :
أوّلاً : لا ادعي أن إيران هي دولة أفلاطون ولا ادعي الحماس بل اصف الحقيقة بتجرد عالى وأنّي أخاطب الباحثين عن الحقيقة فقط ، فهل شاهدوا الحشود المليونية الحاضرة في ميدان التشييع رجالاً و نساءًا ، شبّاناَ وشيوخاً تحت الأمطار ، وفي الطرقات والشوارع العامّة . فَمَنْ حَرَّكَ تلك الجماهير؟ أليس ولاؤهم وإيمانهم بتلك الثورة والدولة والقيادة ، ألا يكشف لكم ذلك أنّ هذا الشعب ما زال حيّاً متصلاً بقيادته مع شدَّة التحديات ، وتعقيد التضاريس ، وألم والحصار؟.
ثانياً: هل عرف الغرب لماذا كان برنامج الحكومة في تشييع شهيد الخدمة المرحوم (رئيسي) في عدد من المدن؟ ، أليس هذا بناء على طلب الجماهير الإيرانية المتعلّقة برئيسها ، ولإثبات أنّ الشعب الإيراني مهما قست الظروف، واشتدّت به الحال، لكنّه مؤمن برسالته، وهو مع من يراه أنّه يجسّدها .
ولا يختصّ هذا التأييد بمحافظةٍ دون أخرى .
وقد كان الغرب يتوقَّع أنّ الحشود المليونية التي شيَّعتِ المرجع الراحل الإمام الخميني غادرت الميدان ، وأنهت علاقتها بثورتها وقادتها ورجالها ، واليوم قد جاء جيل يمتلك ثقافة جديدة غربيّة، إلا أنّ حضور الأمّة الإيرانية (الشريفة) ، كما وصفها الإمام السيستانيّ في تشييع (رئيسي) كشف بما لا يقبل الشكّ أنّ تلك الأمّة ما زالت عند نقطة البداية والشروع ، ولا نهاية لتأييدها لثورتها ، فهذه الملايين تحضر وتشيّع وتوالي وتعتب وتلوم وتطالب حكومتها بالمزيد ، وعلى الغرب أنْ يسمع الهتافات والشعارات المؤيّدة للقيادة والإمام الخامنئي وتخليد السيّد (رئيسي) ، فضلا عن شعارات العقيدة التي تحرُّكهم نحو الثبات ، والتي تمازج بين تأييدهم الدولة والعقيدة انطلاقا من عقيدة حبّ آل بيت محمّد (ص ) وهم يعيشون لحظات الانتظار لظهور الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه الشريف) .
نعم تحولت الهتافات من مجرد عاطفة إلى بيعة وعقيدة .
ثالثاً : لقد عظَّمتْ وكرَّمتْ وشيَّعتْ أمّة إيران الرئيس الإيرانيّ الراحل ؛ لأنّه رجلُ الخدمةِ والفقرِ والتواضعِ ؛ ولأنّه خادم الإمام الرضا (ع) ، إذ تمّ تنصيبه لهذه الخدمة في يوم ولادة الإمام الرضا (ع ) ، ونال كرم الشهادة بنفس اليوم .
نعم إنّ شعب القيم والعرفان والحسينيات والمساجد يُدرك أنّ الشهيد لم يأتِ إلى الحكم من الأبراج العاجية ، بل جاء من حرم الإمام الرضا حاملاً قيمَهُ لينشر العدالة في الأمّة ، ورحل إلى ربّه وهو يقدّم الخدمة لأمّته - كما ذكر ذلك السيّد السودانيّ - وهذا سرّ الولاء والتأييد الشعبيّ وحضور الملايين من أجله، هذا ما نسمعه من أغلب المشيعين .
رابعاً: على الغرب أنْ يقارن بين أيّ حاكم تقتله ملذّاته وهوانه ويرفضه شعبُه أو يموت في نزهةٍ ، أو يخرج من حفر الهزيمة ، وتنعاه غانية غجرية ، وبين شعبٍ يخرج عرفاناً لرئيسه الذي لقي أجله بملابس الفقر ، ووسائل النقل البسيطة ؛ لأجل خدمة الشعب .
خامساً: هل اطَّلع الغرب على بيان الإمام السيستاني الذي وضف الشعب الإيرانيّ بـ « الأمّة الشريفة » علما أنه وصف الشعب العراقي بما يماثله وربما أكثر لكن هكذا توصيف بحكم الظروف له مداليله الخاصة .
سادساً: هل علم الغرب قدرة النظام السياسيّ الإسلاميّ على التماسك ، وفهم المسؤول الايرانيّ لواجباته ، وحرصه على المضي قدماً ، وإليكم بعض الشواهد التي قامت بها الحكومة، وهي :
١/ في يوم الحدث وقبل العثور على رفاة الشهداء كان الإمام الخامنئي يستقبل الجماهير بيوم ولادة الإمام الرضا (ع) ، ويهنئهم ويوصيهم بعدم القلق ، ويؤكّد لهم لاوجود لأي ارتباك ،ويطمئنهم على مصير عمليتهم السياسية ودولتهم .
٢/وفي اليوم الثاني يتمّ تعيين وزير الخارجية على باقر كني بالنيابة .
٣/ ويتمّ تكليف ( محمّد مخبر ) للمسؤولية الجسيمة ، كما وصفها الإمام الخامنئي، ومخبر رجل معروف بأنّه رجل الأسرار.
٤/ هذا الحدث الجلل دفع بأجهزة الدولة إلى أنْ تحدد موعداً للانتخابات لا يتجاوز (38) يوما. علما أنّ أكبر البلدان الراسخة بالديمقراطية ربّما لا تجد أن هكذا قرار بأمر طبيعي .
٥/ اجتماع مجلس الخبراء في دورته السادسة ليقوم بمهامه ، والذي عزز تلك المهمّة، وعزز هذا الاجتماع والإجماع بيانُ الإمام الخامنئي لهم ، وهو يشرح لهم دورهم ورسوخ تجربة الإسلام السياسيّ وفلسفته وهي رسالة على أنّ الدولة ماضية ، والأقدار جارية والسيطرة تامّة .
سابعاً : من أبرز الأدلّة على أنّ الدولة ماضية وراسخة هو شهادة السيّد السوداني عند زيارته الإمام الخامنئي قائلا : « جئت لزيارة فخامتكم ، لأقدّم التعازي لحكومةِ وشعبِ إيران باسمِ حكومةِ وشعبِ العراق»، وأضاف : « إنّ حضور الملايين من الإيرانيين لتشييع جنازة الرئيس الإيرانيّ هو نتاج خدمته للشعب ».
ثامناً: على الغرب أنْ يُدرك أمراً مهمّاً ، هو أنّ الثورة ومن خلال أربعة عقود من العمل قد تجسّدت حقيقتها من خلال التشييع ، لا كما يصفها الغربيون بأنّها دولة بمعزلٍ عن شعبها ، وعن المجتمع الدوليّ ، والحال فإنّ مجلس الأمن وقف دقيقة حداد على أرواح الشهداء في إيران ، وحضر خمسون وفداً من قادة العالم فضلا عن الوفود بمختلف المستويات ، فأين العزلةُ في دولةٍ شقَّت طريقها بكُلِّ هدوءٍ ، وفككت عقد التحديات بكُلِّ صبرٍ ، وفهمت دورها ومحيطها الاقليمي والدولي وتموضعت بمكان منه مكين .
كلُّ تلك المواقف من حضور الجماهير لتشييع القائد الفقيد والهتافات والشعارات الولائية والتي اطلقتها الجماهير التي تمازج بين الولاء للدين والدولة وقيام المسؤولين في إيران في غلق الثغرات الدستورية ، وتعيين المسؤولين المهمّين ، والدعوة إلى الانتخابات، كلّ ذلك كاشفٌ عن رسوخ الدولة في عقل ووجدان الأمّة والقيادة، وتكشف أيضا ان الطبقة السياسية التي تمّ تكليفها تكشف بأنّ الأمّة الايرانية زاخرةٌ بالطاقات من الجيل الأوّل والثاني القادر على إكمال المسيرة .
ومن هنا وجدنا الإعلام الغربي عاجزاً عن تفسير تلك الحقائق أو نكرانها، وسقط ما بأيديهم من مقولاتٍ في اليوم الثاني لتشييع شهيد الخدمة.
ويكادُ يجمعُ الخبراءُ أنّ شهادة (رئيسي) أعادتِ الحيويّة للشعب الإيرانيّ ، والقوّة للنظام السياسيّ الإسلاميّ ، وعمّقت شعبية الحكومة ، وأثبتت قوّة وقدرة هذا الشعب على الصمود بوجه كلّ التحديات ؛ لأنّ النظام الإيرانيّ نظامُ المؤسسات، فكلّ واحد له دور محدد، وليس إيران دولة الدكتاتوريات .
22 / 5 / 2024 م