الشباب والرياضة وشباب بلا رياضة
حسن نفل الشمري
لعل اول ما يتبادر الى ذهن المتلقي من خلال اطلاعه على مفردات جملة الشباب والرياضة هو الألعاب والرياضات المختلفة التي يمارسها المجتمع بشكل عام واللاعبين فرديا وفرقيا بشكل خاص ولكن في الحقيقة ان هناك الكثير من المعاني والمفردات والقيم الأخلاقية والتربوية تكمن بين طيات هذه الجملة الكبيرة فهي تعني المستقبل والبناء والحضارة والتطور الذي تنشده الشعوب من خلال استثمار الطاقات الشبابية في شتى المجالات سواء كانت رياضية او اقتصادية او سياسية او عسكرية خصوصا مع مجتمع ينبض بالشباب ويشكل نسبة الشباب فيه نحو 65% من تعداد نفوس العراق.
وهنا تكمن أهمية استقطاب واحتضان هذه الفئة المجتمعية المهمة لتكون الدعامة الرئيسية في صناعة المستقبل وتثبيت الإنجازات الحضارية للشباب العراقي عبر مر العصور، فخصوبة المجتمع العراقية لم تأتي صدفة ولم تكن إرادة لسياسة معينة انما هي تطور طبيعي لما يمتلكه هذا البلد من خيرات انعم الله بها عله من خصوبة الأرض ووفرة المياه وتعاظم الموارد الطبيعية في ارضه فيوم بعد اخر نجد هناك اكتشافات جديدة لمعادن وحقول للنفط والغاز الطبيعي وربما هذه النعم الكثيرة كانت سببا لتزايد الاطماع الخارجية عليه تجسد من خلال احتلال وسطوة وحروب فرضتها قوى الاستكبار العالمي على شبابه بالتحديد كي يبقى هذا الشعب اسيرا لأهواء وغايات الدول الاستعمارية وقد دفع الشعب العراقي ثما باهضا من دماء شبابه ليكون كما عليه الان رغم الكثير من المؤشرات السلبية لكن هناك الكثير الذي يستحق الوقوف عنده من تعددية وممارسات ديمقراطية فتية وحرية تعبير وزيادة ملحوظة في مستوى دخل الفرد.
الا ان الاهتمام بشريحة الشباب لم يكن بالمستوى المطلوب ورغم استحداث وزارة الشباب والرياضة في حكومات ما بعد 2003 الا نها ما زالت وزارة فتية لا تمتلك المقومات الحقيقية في احتضان الشباب وتقديم لهم كل احتياجاتهم، ان ما يشغل الشباب واهتماماتهم يجب ان يكون ضمن الأولويات الملحة لاي جهد حكومي يريد النهوض بواقع المجتمع وتغيير المنهج الاستراتيجي في فهم سايكولوجية الشباب وتلبيه ما يحتاجونه والإصرار لجعل هذه المؤسسة وزارة سيادية بكل المعايير والتخصيصات والدعم لتطوير قطاع الشباب وعدم الاتكاء على المنجزات الرياضية في سد هذه الثغرة المهمة كون اغلب إنجازات الوزارة في الحكومات المتعاقبة هي منجزات رياضية في حين هناك تلكؤ واضح في ديمومة وبناء شخصية الشاب وتنمية قدارته بشكل واقعي وملموس الا نسبة قليلة ممن يشاركون في الأنشطة التي تقدمها دوائر واقسام الوزارة للشباب وقد تكون الكثير من الأسماء المشاركة في الأنشطة مكررة، وهذا مؤشر على ضعف الوصول الى البيوت واولياء الأمور بل وحتى الشباب نفسهم تارة بتقصير الجهد الإعلامي وتارة بقلة المنشأت والمنتديات والأندية الرياضية والبرامج التي تستهوي الشباب واستثمار طاقاتهم بالجانب الإيجابي.
فنلاحظ عزوف الشباب عن الرياضة اصبح امرا سائغا ومستساغا بحيث اغلب المرتادين للقاعات الرياضية هم يمارسون بناء الاجسام وكما يعرف حاليا بقاعات (الحديد) أي ان الاهتمام او الممارسة الرياضية في هذه القاعات اشبه بالمساج فلا رفع للياقة البدنية الا ما ندر كما ان اغلب المرتادين يدخنون السجائر والاراكيل الالكترونية والعادية وهذا منافي لممارسي الرياضة الحقيقية التي تجعل من قوتهم في حرق الدهون والطاقة بأجسادهم والشعور بالسعادة اثناء الرياضة في الهواء الطلق بشتى أنواعها هي المعيار في المطاولة والعدو والقفز والحركات الرشيقة التي نادرا ما نجدها عند مرتادي قاعات الحديد، ناهيك عن استخدامهم للمنشطات والبروتينات الصناعية التي تؤثر على حياتهم بشكل مباشر من اجل سرعة بروز العضلات والتباهي امام الناس وبالحقيقة هو شاب في داخله فارغ من التفكير السليم واتخاذ القرارات وتقديم الخدمات لأسرته ولمجتمعه وكما قال احد الحكماء العقل السليم في الجسم السليم.
ان التحديات التي يواجهها الشباب كثيرة وخطيرة وخصوصا ما يطرح عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المغرضة التي تسير وفق المنهجية الأولى بالعمل على تسفيه القدرات الشبابية وجذبهم الى كل ما هو مشين وفاحش والركون الى الكسل والنوم والعزلة حتى من عوائلهم للحيلولة دون الاندماج مع المجتمع العملي ومواكبة التطور وتطوير ذاتهم وبناء بلدهم، لذا على الدولة العراقية بكل مقوماتها وسلطاتها العمل بجهود استثنائية لتقديم برامج تنموية بلمسة شبابية تثير اهتمام الشباب وتشد أفكارهم من الانزواء والتقعر حول المواقع المشبوهة ودعم وتطوير الخطط الاستراتيجية التي تقدمها وزارة الشباب والرياضة وترسيخ روح المواطنة لديهم وتوثيق التعاون مع منظمات المجتمع المدني بعد غربلتها من الدخلاء وأصحاب الاجندات الخارجية والاعتماد على الحس الوطني والإمكانات العراقية الاصيلة، وهذا بالتأكيد يحتاج الى عدة خطوات عملية نقترح منها:
1- توفير موازنات مالية لوزارة الشباب والرياضة منسجمة مع الواقع الحالي للشباب وحسب الاعداد السكانية لكل محافظة.
2- إعادة ربط المنتديات الشبابية في بغداد والمحافظات بوزارة الشباب والرياضة لتوسيع القاعدة الشبابية وايصال الخطط والبرامج لأكبر عدد ممكن من الشباب.
3- زيادة الزخم الإعلامي للأنشطة والبرامج الشبابية بطريقة احترافية تستهوي أفكار الشباب وفرض عروض ومنشورات متخصصة بالشباب كي تبث عبر القنوات الفضائية العراقية جميعا بدون استثناء بالتعاون مع هيئة الاعلام والاتصالات وشبكة الاعلام العراقي ووزارة الاتصالات.
4- دعم الملاكات العاملة في وزارة الشباب والرياضة وتوفير بيئة عمل مناسبة وزيادة التخصيصات التشغيلية لتقديم افضل الخدمات.
5- تطوير القدرات البشرية لملاك الوزارة والمنتديات والمراكز الشبابية العاملين في المجال الإنساني التوعوي لزرع روح المواطنة وتعزيز ثقة الشباب بالمؤسسات الحكومية والقطاع المختلط التي ترعى الشباب.
6- دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتقديم المساعدات اللازمة للشباب وتقليل الروتين والحلقات الإضافية بين الوزارة والشباب المستفيد وأنشاء صندوق القروض للشباب لمساعدتهم بتغطية نفقات مشاريعهم.
7- الإصرار على بناء مراكز جديدة للشباب في المناطق والاقضية والنواحي للمحافظات كافة تتضمن قاعات رياضية تجهز بأدوات رياضية وبدعم حكومي
8- زيادة دعم البحوث والأبحاث العلمية والإنسانية في مجال استثمار الشباب احتضان الباحثين الشباب.
9- بناء قاعدة بيانات رصينة لكل الفئات العمرية ضمن جداول عن العاملين في المؤسسات الشبابية والرياضية لتكون مفيدة وشاملة في تقويم ومعرفة نموهم وتحديد حاجاتهم ومتطلباتهم.
10- التعاون مع مؤسسات الدولة في تطوير لجان تقويم ومتابعة أداء المؤسسات الرياضية والشبابية وذلك للحفاظ على مستوى الجودة وفاعلية الاداء فيها.
11- تحديث موارد المؤسسات الشبابية والرياضية من خلال الخدمات الرياضية والاستشارية بحيث تصبح المؤسسات منتجة وليست مستهلكة فقط.
12- استثمار الاتمتة والحوكمة باتباع ادوات تقويم موضعية لأنها تقيس أكبر قدر من المعلومات بأقل جهد ووقت
13- تشكيل فرق استشارية من العاملين في المؤسسات الشبابية والرياضية لتطوير إمكانات الشباب وتنمية الاصالة والمرونة والابتكارية وتشجيع المنافسة.
14- تشكيل فرق تطوعية من الشباب والعاملين في المؤسسات الرياضية لتنظيم المناسبات الوطنية والمجتمعية واحياء مناسباتهم وتنظيم زيارات ميدانية لأصحاب المشاريع المستفيدين وادامة الصلة معهم.
ومن هنا نناشد كل الخيرين والمحبين لهذا البلد العزيز ان يلقى الشباب ما يروي ظمأه ويستعيد ثقته بنفسه وبالمؤسسات الشبابية في العراق لنستعيد شبابنا ونقدمهم مستقبلا واعدا قادر على تحمل المسؤوليات وبناء وطنه ومجتمعه ويحافظ على مبادئه وقيمه الأخلاقية والوطنية والله الموفق ..
حسن نفل الشمري